اسم الکتاب : زاد المسير في علم التفسير المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 97
إيجاب القتل، فأما المرأة الساحرة، فقال: تحبس، ولا تقتل [1] .
[سورة البقرة [2] : الآيات 103 الى 104]
وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (103) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا وَاسْمَعُوا وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ (104)
قوله تعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا يعني: اليهود، والمثوبة: الثواب. لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ قال الزجاج: أي: يعلمون بعلمهم. قوله تعالى: لا تَقُولُوا راعِنا قرأ الجمهور بلا تنوين، وقرأ الحسن، والأعمش، وابن محيصن [2] بالتنوين، و «راعنا» بلا تنوين من راعيت، وبالتنوين من الرعونة، قال ابن قتيبة: راعناً بالتنوين: هو اسم مأخوذ من الرعن والرّعونة، أراد: لا تقولوا جهلاً ولا حمقاً.
وقال غيره: كان الرجل إذا أراد استنصات صاحبه، قال: راعني سمعك، فكان المنافقون يقولون:
راعنا، يريدون: أنت أرعن. وقوله: انْظُرْنا بمعنى: انتظرنا، وقال مجاهد: انظرنا: اسمع منّا، [1] قال القرطبي رحمه الله 2/ 47: واختلف الفقهاء في حكم الساحر المسلم والذميّ فذهب مالك إلى أن المسلم إذا سحر بنفسه بكلام يكون كفرا، يقتل ولا يستتاب ولا تقبل توبته لأنه أمر يستسر به كالزنديق والزاني، ولأن الله تعالى سمّى السحر كفرا بقوله وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ. وهو قول أحمد بن حنبل وأبي ثور وإسحاق، والشافعي وأبي حنيفة.
وقال الإمام الموفق رحمه الله في «المغني» 12/ 300: قال أصحابنا: ويكفر الساحر بتعلّمه وفعله، سواء اعتقد تحريمه أو إباحته. وروي عن أحمد ما يدل على أنه لا يكفر فإن حنبلا روي عنه، قال: قال عمّي في العرّاف والكاهن والسّاحر: أرى أن يستتاب من هذه الأفاعيل كلّها فإنه عندي في معنى المرتد، فإن تاب وراجع- يعني- خلّي سبيله. قلت له: يقتل؟ قال: لا، يحبس، لعلّه يرجع. قلت له: لم لا تقتله؟ قال: إذا كان يصلّي، لعلّه يتوب ويرجع. وهذا يدلّ على أنه لم يكفّره، لأنه لو كفّره لقتله. وقوله: في معنى المرتد. يعني في الاستتابة. وقال أصحاب أبي حنيفة: إن اعتقد أن الشياطين تفعل له ما يشاء، كفر، وإن اعتقد أنّه تخييل لم يكفر. وقال الشافعي: إن اعتقد ما يوجب الكفر، مثل التقرب إلى الكواكب السّبعة، وأنها تفعل ما يلتمس، أو اعتقد حلّ السحر، كفر، لأن القرآن نطق بتحريمه، وثبت بالنقل المتواتر والإجماع عليه، وإلّا فسّق ولم يكفّر لأن عائشة باعت مدبّرة لها سحرتها بمحضر من الصحابة.
- وحدّ الساحر القتل، روي ذلك عن عمر، وعثمان بن عفان، وابن عمر، وحفصة وجندب بن عبد الله، وجندب بن كعب وقيس بن سعد، وعمر بن عبد العزيز. وهو قول أبي حنيفة، ومالك. ولم ير الشافعيّ عليه القتل بمجرد السحر وهو قول ابن المنذر. ورواية عن أحمد ذكرناها فيما تقدّم. ووجه ذلك أن عائشة رضي الله عنها باعث مدبّرة سحرتها، ولو وجب قتلها لما حلّ بيعها، ولأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يحل دم امرئ مسلم إلّا بإحدى ثلاث، كفر بعد إيمان، أو زنى بعد إحصان، أو قتل نفس بغير حقّ» . ولم يصدر منه أحد الثلاثة، فوجب أن لا يحلّ دمه، ولنا ما روى جندب بن عبد الله عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «حد الساحر، ضربة بالسّيف» .
قال ابن المنذر: رواه إسماعيل بن مسلم، وهو ضعيف وأخرجه سعيد في «السنن» 2/ 90، 91 عن بجالة قال: كنت كاتبا لجزء بن معاوية، عمّ الأحنف بن قيس، إذ جاءنا كتاب عمر قبل موته بسنة: اقتلوا كلّ ساحر، فقتلنا ثلاث سواحر في يوم وهذا اشتهر فلم ينكر، فكان إجماعا وقتلت حفصة جارية لها سحرتها وقتل جندب بن كعب ساحرا كان يسحر بين يدي الوليد بن عقبة. ولأنه كافر فيقتل، للخبر الذي رووه. وهل يستتاب الساحر؟ فيه روايتان أحدهما، لا يستتاب، وهو ظاهر ما نقل عن الصحابة، فإنه لم ينقل عن أحد منهم أنه استتاب ساحرا. [2] هو الإمام المقرئ محمد بن عبد الرحمن بن محيصن السهمي، المتوفى سنة 123.
اسم الکتاب : زاد المسير في علم التفسير المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 97